وثيقة التفاهم بين «حزب الله» وبعض الجمعيات السلفية اللبنانية بين الترحيب والتحفظ

الحص: الوثيقة محاولة جدية لانتزاع فتيل الفتنة * الجسر: لا نحبذ الاتفاقيات الثنائية لأن أثرها سلبي

أطفال لبنانيون يتظاهرون امام مقر الامم المتحدة في بيروت لإطلاق سراح آبائهم من السجون (أ.ب)
TT

تواصلت امس ردود الفعل على وثيقة التفاهم بين «حزب الله» وبعض الجمعيات السلفية في لبنان والتي راوحت بين الترحيب والتحفظ. وفيما وجد الرئيس الأسبق للحكومة د. سليم الحص في الوثيقة «محاولة جدية وعزيزة لانتزاع فتيل الفتنة المدمرة التي تهدد المجتمع بأوخم العواقب»، أكد عضو كتلة «المسقبل» النائب سمير الجسر «أن تيار المستقبل لم يتبن هذه الوثيقة، كونه لا يحبذ هذه الاتفاقيات الثنائية، لأن أثرها لغاية الآن كان سلبيا».

وفي تصريح أدلى به أمس قال الحص: «وجدنا في التفاهم الذي وقع بين حزب الله وبعض التيارات السلفية محاولة جدية وعزيزة لانتزاع فتيل الفتنة المدمرة التي تهدد المجتمع (اللبناني) بأوخم العواقب. فنتمنى ان تعطى هذه المحاولة الفرصة الكاملة فلا تثار من حولها التحفظات». وأضاف: «إجهاض مشاريع الفتنة التي تحاك لمجتمعنا من أعدائه هو هدف نبيل وسام من الزاوية الوطنية والقومية خصوصا في مرحلة هي في منتهى الخطورة نتعرض فيها لأعتى الأحابيل من أعداء الوطن والأمة. وليس بيننا من له مصلحة في اشتعال الفتنة. ومن يتحفظ على التفاهم المعقود عليه ان يجهر بمشروعه البديل لتدارك الفتنة».

من جهته كرر الجسر، نفيه «أن يكون السلفيون الموقعون على وثيقة التفاهم مع حزب الله قد وضعوا رئيس كتلة «المستقبل» النائب سعد الحريري في جو الاتفاق». ولفت إلى أنه لا يملك شخصيا حق الموافقة أو الرفض، لأن لا سلطة له على الجهات الموقعة على الاتفاق، وانه اكتفى بالتبيان للسلفيين الذين زاروه قبل حصول التوقيع «أن الوثيقة، قد تكون موضع استغلال من بعض القوى السياسية ووسائل الإعلام للايهام بانقسامات في الساحة الطرابلسية وكذلك الوطنية»، مشيرا الى «أن تيار المستقبل لم يتبن هذه الوثيقة كونه لا يحبذ هذه الاتفاقيات الثنائية لأن أثرها لغاية الآن كان سلبيا، لاسيما من خلال التجربة السابقة المتمثلة في مذكرة التفاهم بين حزب الله والتيار العوني التي كان لها انعكاس سياسي غير ايجابي في البلد. وقد أدت الى الشرذمة اكثر من التفاهم». واشار الى «ان مكونات طرابلس سوادها الأعظم هو من الناس الوسطيين والمعتدلين في الإسلام، على رغم وجود بعض المتطرفين، والسلفيون ليسوا منهم. فالسلفية هي حركة تجديدية، تفتح باب الاجتهاد وهي ليست حزبا سياسيا، بل هي عبارة عن حزب فقهي وهم في معظمهم (السلفيون) لا يتعاطون السياسة ولا يؤمنون بمسألة الانتخابات النيابية» لافتا الى أنه «في الأسابيع الأخيرة، تجري حملة منظمة لإظهار طرابلس كأنها وكر للارهاب، كالكلام عن قندهار وتفجيرات أمنية. وعلى رغم دخول الجيش وفرضه الأمن، هناك محاولات يومية لتفجير الوضع عن طريق رمي القنابل والقنص. وهذا يدل على أن هناك من يحاول اللعب بأمن المدينة. وهذه محاولة لإضعاف دور طرابلس في المعادلة السياسية». ورأى «ان وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيارات السلفية لا تشكل اختراقا للحالة السنية، لأن كل طرف له رأيه الخاص، ولا يفترض اذا كان رأيي مخالفا لرأي الآخر، ان أقوم بتخوينه، واتفاق الدوحة كان واضحا لجهة الخروج من لغة التخوين»، مشددا على «ان التراجع عن هذه الوثيقة لن يؤدي الى الفتنة في الصفوف السنية».

وردا على سؤال، قال الجسر: «لا استطيع اتهام حزب الله في انفجار طرابلس (الذي استهدف محطة للحافلات) ففي أي جريمة يتم دائما التفتيش عن المستفيد منها وعن المتضرر واذا فرضنا أن حزب الله مستفيد، فهو ليس المستفيد الوحيد. والإشارة اليه وحيدا يشكل استباقا لعملية التحقيق. وانطلاقا من خلفيتي كمحام لا استطيع الاتهام من دون وجود أدلة. رغم ان حزب الله له يد في ما يجري في طرابلس بقيامه بالتسليح.. وأن هناك من يتدخل في جبل محسن فقد أزيلت صور وظهرت مكانها صور الرئيس بشار الأسد، وهناك كلام عن أناس تم تدريبهم وتسليحهم وقد أقروا واعترفوا بذلك. وهذا أمر غير مسموح به في القانون بحيث يتم ذلك تحت غطاء المقاومة». إلى ذلك اعتبر عضو كتلة «المستقبل» النائب مصطفى علوش «أن وثيقة التفاهم التي وقعت بين حزب الله وبعض التيارات السلفية هي نوع من الخروقات الاعلامية التي يقوم بها حزب الله للتصوير بأنه قام بخرق سياسي داخل الشارع السُنّي وفي مدينة طرابلس بالذات. وهو لجأ إلى مجموعة قوتها التمثيلية لا تتعدى اجزاء من المائة في الشارع الطرابلسي والسنّي والتي بدورها تحتاج إلى الظهور الاعلامي».

وقال: «ان هذه الوثيقة قفزت فوق المشكلة الأساسية التي تتمثل بإصرار حزب الله على وضع لبنان ضمن ما يسمى تحالف الممانعة الذي يخدم عملياً النظامين الايراني والسوري ويستعمل لبنان بشعبه وأرضه ومؤسساته ساحة يستفيد منها الآخرون وتكون الضحية، إضافة إلى إصرار حزب الله على الخروج عن منطق الديمقراطية في حل الأمور واستعماله منطق العنف في فرض رأيه السياسي على جميع اللبنانيين»، لافتاً إلى «أن الوثيقة استعملت الأدبيات التي يستخدمها حزب الله حول مسألة المشروع الأميركي ـ الصهيوني وأغفلت المشروع الايراني الذي يشكل نفس الخطر على المنطقة».

وأشار الى «أن الطرف السنّي المعتدل في لبنان هو الأكثر عداوة وخصومة مع حزب الله. لذلك فإن هذه الوثيقة قد تدفع الغالبية الكبرى من المجتمع السُنّي للنفور من الذين وقعوها»، موضحا «ان المجتمع السنّي المعتدل يستشعر بالخطر الذي يمثله مشروع حزب الله. لذلك هو يعتبر ان التوجه إلى الوسائل العنفية للدفاع عن الذات هو الطريقة المثلى لأن المواجهة السياسية أثبتت فشلها في الظروف السابقة وخصوصا بعد العنف الذي استعمله حزب الله سابقاً». وإذ لفت إلى ان «تيار المستقبل» لا يحق له منع أي مجموعة موجودة ضمن الطائفة السنّية من القيام بأي مبادرات، أكد «ان التيار يعتبر ان هذه الوثيقة لم تأت لا في الوقت ولا في المضمون المناسب للواقع القائم في لبنان». هذا، وأثنى «لقاء العلماء والدعاة في المنية» على «وثيقة التفاهم التي جرى التوقيع عليها بين حزب الله وأخوة في التيار السلفي»، معتبرا نفسه «معنيا بها، خصوصا انها تأتي في ظروف يحتاج المسلمون فيها إلى التضامن والتعاون. وان تعاونهم وتضامنهم فيه خير للبنانيين جميعا، على اختلاف أديانهم ومذاهبهم». وتمنى أن «يقتدي الجميع بما كان من الطرفين الموقعين على الوثيقة، من أجل تعزيز وحدة الأمة ونبذ التفرقة والتشاحن والتباغض».

واعتبر «اللقاء الاسلامي الوحدوي» «ان وثيقة التفاهم بين حزب الله والتيار السلفي خطوة في الاتجاه الصحيح، ومن شأنها ان تغلق ابواب الفتنة وتنفس الاحتقان على الساحة الاسلامية». اما رئيس «الهيئة الشبابية للحوار الاسلامي ـ المسيحي» مالك فيصل مولوي فاعتبر «أن الغرض من الوثيقة هو تلميع الصورة المهتزة (لحزب الله) جراء الاحداث الاخيرة. ووقع السلفيون في الفخ لضعف الخبرة في التجربة السياسية». وقال: «كم كنا نتمنى لو ان هذه الوثيقة قامت برعاية مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار، لما يتمتع به من مكانة واحترام ومصداقية من جميع الاطراف المتنازعة، وشملت كل الجمعيات السلفية بدلا من الاستعانة بالجزء الأقل تمثيلا. فكيف لحزب يتمتع بترسانة عسكرية له تاريخه ان يقوم بتفاهم مع جمعية خيرية محدودة التأثير والتمثيل؟».